يؤكد الأطباء أن صحة الإنسان تبدأ من أفكاره ونظرته للأمور ومدى تفاؤله أو تشاؤمه، ووفقا للدكتورة سوزان نولين هويكسما، عالمة النفس والأستاذة بجامعة ييل الأميركية “عندما يتجهم الناس وهم في حالة مزاجية مكتئبة، يتذكرون الأشياء التي حدثت لهم في الماضي، ويفسرون المواقف في حياتهم الحالية بشكل أكثر سلبية، ويصبح المستقبل في نظرهم ميؤوسا منه”.
وتضيف “هذا الانشغال المبالغ فيه بالتفكير في المشكلة لدرجة تجعل من الصعب تجاوز دورة الأفكار المحزنة، تسبب شعورا بالعجز يشل مهارات تقديم الحلول ويدخل المجتر في حلقة مفرغة من الأفكار السلبية”.
لذا يحذر الكاتب الأميركي دوغلاس بلوخ، المتخصص في الصحة العقلية، من الوقوع في فخ “الطحن الذاتي” بطحن أنفسنا تحت أفكار تتسم بالقلق والخوف وجلد الذات على تجارب غير موفقة، كفقدان وظيفة أو انهيار زواج أو حوادث سيئة في الطفولة، ومواصلة “مضغها” مرارا وتكرارا، لنظل نحفر تحت أقدامنا و”نأكل أنفسنا” دون توقف أو فائدة.
هذه الموجات من “اجترار الأفكار” تسحبنا نحو حالة من العزلة نعاني فيها من مشاكل نفسية وجسدية، يصبح الخروج منها صعبا.
محفزات اجترار الأفكار
مما يحفز اجترار الأفكار السلبية ويدخلنا في دوامة الطحن الذاتي:
– الوحدة والفراغ وإهمال الأنشطة البدنية وغياب التواصل العاطفي والعلاقات الاجتماعية.
– تعميم النتائج، “فما دمت فشلت في علاقة فلن أجد الشريك المناسب أبدا” وتظل تجتر هذه الفكرة.
– التشكيك في نيات الآخرين وافتراض أنهم “يعتقدون أنني ممل”، أنا متأكد “أنهم يظنونني غبيا”.
– استباق الأحداث والجزم بأنه “لا فائدة من المحاولة في كذا” أو “لن أتمكن من النجاح أبدا”. اعلان
– لوم النفس وإهانتها، مثل قولك “أنا السبب في كل الخسائر والمصائب”، “أنا أحمق وفاشل”.
– التهويل، فإذا لم تستطع العثور على حقيبة فقدتها سوف تستسلم إذن لفكرة أنك مصاب بالزهايمر.
– عدم القدرة على التجاوز والنسيان، والعجز عن المواجهة والتعبير، ونقص الخبرة الحياتية.
أضرار اجترار الأفكار
إيقاع الحياة المتسارع يجعل كثيرا من الناس في حالة عجز عن الخروج من دوامة اجترار الأفكار السلبية والخوف من القادم، دون إدراك لتأثير ذلك على صحتهم المتمثل في:
الأرق والمرض: يقول المعالج النفسي الألماني كريستيان ليدكه “إذا فكرنا سلبيا أو إذا كان عندنا توقعات سلبية، فإن مركز الألم في المخ يفرز هرمونات الكورتيزون والأدرينالين، التي تسبب القلق والألم”.
كما أظهرت الدراسات أن تكرار التفكير في الماضي واستعادة شريط الأحداث يجلب الأرق ويزيد من تفاعل الكورتيزول المسبب لأمراض القلب والأوعية الدموية ومقاومة الإنسولين.
العزلة الاجتماعية: فوفقا لسوزان نولين هويكسما، فإن “الاستغراق في التفكير السلبي يُضفي على الشخص حالة من التجهم والكآبة، تجعل أفراد الأسرة والأصدقاء يملّونه وينفضون من حوله”.
الاكتئاب والشراهة: فحسب سوزان نولين أيضا “اجترار الأفكار يسبب الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة، وتصبح الشراهة والإفراط في الطعام والشراب وسيلة لمواصلة الحياة”.
التفكير دون حلول: فكثرة التفكير السلبي في أسئلة مثل لماذا فعلت كذا؟ وماذا لو حصل كذا؟ تستنزف الطاقة وتصرف الانتباه عن البحث في الأسباب، وتحول دون إيجاد حلول لأية مشاكل.
تخلص من الأفكار السلبية
هذه خطوات للتغلب على الطحن الذاتي واجترار التفكير السلبي، من أجل حياة أفضل:
– التقط أنفاسك: امنح نفسك استراحة وحاول أن تأخذ خطوة إلى الوراء لتنظر في المخاطر المحتملة على صحتك. فالخطوة الأولى للخروج من الحلقة المفرغة أن تصرف انتباهك عن اجترار الأفكار.– صحح فكرتك عن نفسك: الحديث السلبي عن النفس يتحول تدريجيا إلى مشاعر سلبية قابلة للاجترار مفادها أننا لا نصلح لشيء، لذا يجب توجيه رسائل إيجابية تعزز مفاهيمك عن نفسك.
– ابتسم وركز على الأشياء الجيدة: لا شيء مثاليا وستواجه عقبات طوال اليوم، فانظر إلى الجانب الإيجابي ولو كان صغيرا، واستخدم ابتسامتك للتخلص من الأفكار السلبية. حاول أن تبتسم حتى في أحلك اللحظات وذكر نفسك أن ما تمر به الآن يمكن أن يكون مستقبلا مجرد قصة من الماضي.
– اختصر الحاضر: لا ليوم أو ساعة، بل للحظة، لكي لا تظل تمضغ في كلمة سلبية سمعتها من أحدهم منذ خمس دقائق. ركز في اللحظة فقط وانس ما حدث قبلها، وستجد أن المسألة ليست بالسوء الذي تتخيله، ولا تستحق اجترار الأفكار.
– تسلح بالصداقة: فعندما تحيط نفسك بأصدقاء إيجابيين ستستمع لوجهات نظر إيجابية تؤثر في أفكارك. ولكن لكي تعثر على مثل هؤلاء الأشخاص وتتسلح بوجودهم في مواجهة اجترار الأفكار يجب عليك أن تتخلص من السلبية، وتدع إيجابيتهم تؤثر في حياتك.
– اشغل الفراغ: بتحويل التفكير والاهتمام من الاجترار الداخلي إلى الحراك الخارجي، عبر الانخراط في الأنشطة التي تعزز الأفكار الإيجابية كالرياضة والتأمل والتنزه في الطبيعة والنشاط الاجتماعي والتواصل العاطفي والقراءة والاستماع إلى الموسيقى.– تعلم من الفشل: وركز في حل المشكلة، فارتكاب الأخطاء ووقوع الخسائر يحدث للجميع، فلا تركز على الفشل وحاول أن تتعلم منه لتتفاداه مستقبلا. وبدلا من أن تمضغ أسئلة من قبيل “لماذا تحدث لي هذه الأشياء؟” و”ما الخطأ الذي ارتكبته؟”، حدد شيئا ملموسا يمكنك القيام به للتغلب على مشاكلك.