أوائل الأدب مع الله يكون بالإيمان به، وإخلاص في العيادة له، وترك عبادة غيره، فهو الخالق الذي يستحق للعبادة بلا شريك: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا)، وهو جل جلاله لا يقبل أي عمل إلا ما كان خالص لوجهه، بعيداً عن الرياء، وحقيقة الأدب مع الله تجعل المسلم يواظب على الطاعة في السر والعلن
مظاهر الأدب مع الله جل جلاله
الأدب مع الله جل جلاله يقتضي توحيد الله وتعظيمه، والتزام أوامره واجتناب نواهيه، والحياء منه، وذلك يشمل القلب واللسان والجوارح.
ويمكن أن نحدد الأدب مع الله جل جلاله في الأمور الآتية:
(1) التصديق بما أخبرنا الله به من أمور الغيب
ينبغي تصديق بكل ما أخبر الله تعالى به من أمور الغيب، ومن ذلك عالم البرزخ، وسؤال الملكين في القبر، والجنة وما فيها من خيرات، والنار وما فيها من عذاب عظيم قال الله تعالى عن نفسه: ( ومن أصدق من الله حديثاً ) النساء: 87.
(2) حسن الخلق مع الله تعالى
يتحقق حسن الخلق مع الله بأن يتلقى الفرد أحكام الله بالإيجاب والتطبيق العملي، فلا يرُدّ شيء من أحكام الله، فإذا رد شيء من أحكام الله، فهذا سوء خلق مع الله تعالى، سواء ردها منكرًا حكمها، أو مستكبرًا عن العمل بها، أو متهاون بالعمل بها؛ قال الله جل جلاله: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص اللَّهَ ورسوله فقد ضل ضلالا مبيناً ) الأحزاب: 36.
(3) الرضا بقضاء الله تعالى
من الأدب مع الله أن يتلقى المسلم قدر الله بالرضا والصبر، وأن يعلم أن ما قدره الله عليه سوف يكون له حكمة عظيمة.
قال الله سبحانه: ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ) البقرة: 155.
(4) التوجه إلى الله تعالى بالدعاء
الدعاء: هو إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله، والاستكانة له
حثنا الله سيحانه على الدعاء في آيات عديدة من كتابه القرأن الكريم، ومنها:
- قال الله: ( وإذا سألك عبادي عني فأني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بِي لعلهم يرشدون ) البقرة: 186.ط
- قال تعالى: ( وقال ربكم ادعوني استجيب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) [غافر: 60].
(5) ارتداء أجمل الثياب أثناء إقامة الصلاة
مِن الأدب مع الله تعالى أن يتجمل المسلم في صلاته للوقوف بين يدي الله؛ قال تعالى: ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) الأعراف: 31.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله : (كان لبعض السلف حلة بمبلغ عظيم من المال، وكان يلبسها وقت الصلاة ويقول: ربي أحق من تجملت له في صلاتي)
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ومعلوم أن اللهَ سبحانه وتعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، لا سيما إذا وقف بين يديه
(6) المواظبة على الخشوع في الصلاة
المداومة على الخشوع في الصلاة غاية الأدب مع الله جل جلاله، فيجب على المصلي ألا ينشغلَ بشيء عن الطمأنينة في الصلاة؛ قال الله سيحانه: ( قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون ) المؤمنون: 1، 2.
قال ابن القيّم رحمه الله : ومِن الأدب مع الله في الوقوف بين يدي الله في الصلاة: وضع اليمنى على اليسرى حال قيام القراءة؛ ففي الموطأ لمالك عن سهل بن سعدٍ: أنه من السنة، وكان البشر يؤمرون به، ولا ريب أنه مِن أدب الوقوف بين يدي الملوك والعظماء؛ فعظيم العظماء أحق به
(7) عدم استقبال أو استدبار القبلة عند قضاء الحاجة
مِن الأدب مع بيت الله الكعبة المشرفة، وهي قبلة المؤمنين ألا تستقبل ببول أو غائط؛ روى الشيخان عن أبي أيوب الأنصاري: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبِلوا القبلة، ولا تستدبِروها، ولكن شرقوا أو غربوا)
(8) تعظيم اسم الله جل جلاله
مِن الأدب مع الله جل جلاله تعظيم اسمه، فكلما كتب اسم الله تعالى أتبعه بالتعظيم، مثل: تعالى أو سبحانه أو عز وجل، أو تبارك، وغير ذلك، ومِن الأدب مع الله تعالى عدم الدخول بشيء فيه اسم الله سبحانه إلى أماكن النجاسات، إلا إذا لزم ، وكذلك عدم رمي الأوراق التي فيها اسم الله تعالى في سلة القمامة.
(9) شكر الله تعالى على النعم الكثيرة
إن نعم الله علينا عديدة، لا تعد ولا تحصى؛ قال الله جل جلاله: ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم ) النحل: 18.
وقال تعالى: ( وما بكم من نعمة فمن الله ) النحل: 53.
ينبغي على الفرد أن يشكر الله سبحانه ويحمده على نعمه العديدة، والشكر يكون بالقلب خضوعًا واستكانة، وباللسان ثناء واعتراف، وبالجوارح طاعة وانقياد، أما الحمد: فهو الثناء على الله بالجميل على جهة التعظيم، أما الفرق بين الشكر والحمد، فالشكر لا يكون إلا في مقابل النعمة، أما الحمد فيكون مقابل النعمة أو غبر مقابل، والشكر يكون بالقول والفعل، أما الحمد لا يكون غير بالقول.
قال سبحانه: ( وإذ تأذن ربكم لئن شطرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) إبراهيم: 7.
(10) طاعةُ النبي الله صلى الله عليه وسلم
من الأدب مع الله تعالى طاعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن اللهَ هو الذي أرسله للبشر، وكلَفه بالرسالة السماوية
قال الله تعالى: ( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ) النور: 52.
وقال الله سبحانه : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً ) النساء: 80.
كلمة أخيرة في الأدب مع الله
مكانة الأدب من أعظم المنازل، وأكملها، وأجملها، إذ أن الأدب هو اجتماع خصال الخير في الفرد لأنه الأخذ بمكارم الأخلاق، واستعمال ما يحمد قول وفعل
الأدب سلوك الرسل، وشعار الأتقياء، ما استخدم فرد الأدب إلا ارتفع، وما جانبه إلا سفل ووُضع، وإذا كان الأدب مع البشر من أجل المهمات، فماذا عن الأدب مع الله تعالى عظيم الصفات؟!! إنه أسمى مراتب الأدب وأعلاها، وأجلّها وأزكاها، فما تأدب متأدب بأحسن من أدبه مع الله تعالى، وما أساء فرد الأدب بأشنع من إساءته الأدب مع الله ورازقه