أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصحاب لم يشهد التاريخ رجالاً مثلهم رجال نذروا حياتهم فداءً لله ونصرة رسوله ودينه، رجال زعزعوا أمان إمبراطوريات عظيمة كانت لاتهاب أحداً، اتبعوا أشرف وأطهر معلم في البشرية وأخرجوا البشر من براثن الظلم والجهل والتخلف إلى النور والعدل والمساواة. لقد كان الصحابة رضوان الله عليه خير قدوة للنا جميعاً في الشجاعة والكرم والتقوى والايمان فتجدهم يسعون في الأرض للعمل ولاينسون نصيبهم من الاخرة .
مصعب بن عمير: (أول سفراء الإسلام)
شاب من أجمل فتيان قريش وأكثرهم رفاهيةً ودلالاً، فتى من حِسان أهل مكة وأعطرهم ولعل لم يكن من شباب قريش من حظي بتدليلٍ من والديه كم نال مصعب بن عمير فقد عرف بملابسه الفاخرة والحلي الثمينة التي كان يتزين بها وعطره الذي ينتشر قبل ان يصل الى مكان. وعندما قرر ان يسلم وناله ما ناله من الاذى والعذاب من امه واهله فمنعت عنه الطعام والشراب وتركته حبيس المنزل ولكن لذلك لم يثني من عزيمته وبقي على اسلامه.
سمع بنبأ محمد صلى الله عليه وسلم المنتشر في أرجاء مكة آنذاك واتجه معهم إلى دار الأرقم ولم يطل الوقت بقلبه النقي لتنساب حلاوة الإسلام وما سمعه من آيات قرآنية في فؤاده.
بعد إسلامه رضي الله عنه تحول من الشاب الظاهرة عليه النعمة والثراء إلى شابٍ زاهدٍ وارعٍ ترك كل ذلك حباً لله ورسوله.
إنجازات مصعب في الإسلام:
كان مصعب من المهاجرين الأوائل إلى الحبشة بأمر من رسول الله.
أوكل إليه الرسول الكريم أول مهمة له حيث أرسله إلى المدينة المنورة ليفقه الأنصار في الدين الإسلامي ويدعوا غيرهم إلى الدخول في الإسلام، وقد كانت مهمة عظيمة وخطيرة حيث أوكل إليه الرسول أمانة المدينة بين يديه فخرج مستعيناً بالله وعقله الراجح وفطنته وخلقه الكريم لتنفيذ المهمة، وقد عاد بعد بيعة العقبة بوفدٍ من سبعين مسلم ومسلمة بايعوا الرسول عليه الصلاة والسلام على الإسلام وقد نجح بمهمة الدعوة إلى الإسلام والهداية إلى الصراط المستقيم.
وقد كان لأسلوبه في الحديث ورقيه في التعامل البعيد عن التنفير والترهيب من الإسلام ورسالته سبب في إسلام العديد من الصحابة فيما بعد أمثال: أسيد بن حضير وسعد بن معاذ وسعد بن عبادة.
أما موقفه العظيم فقد كان في غزوة أحد حيث جمعت قريش حشدها وانطلقت لمحاربة الرسول في المدينة، المعركة التي خالف فيها الرماة أوامر الرسول عليه الصلاة والسلام وتركوا مواقعهم حيث فتحوا ثغرة للمشركين ليدخلوا بينهم واتجه تركيزهم على مقتل رسول الله، فأدرك مصعب الخطر المحدق بهم الذي كان حامل لواء المسلمين وأطلق تكبيرات قوية أخذ يصول ويجول ليشتت نظر المشركين عن سيدنا محمد فكان يحمل اللواء بيد ويقاتل باليد الأخرى، ولكن جاء أحد المشركين وضربه على يده اليمنى فقطعت، فأخذ اللواء بيده اليسرى فضربها بالسيف وقطعت, فضم اللواء بين عضديه, ثم قام بضربه برمح في صدره أوقعه شهيداً وسقط اللواء منه.
كان مثالاً الشاب الزاهد الذي ترك متاع الدنيا طمعاً في جنة الآخرة ورضا الله ورسوله.
جعفر بن أبي طالب: (ذي الجناحين)
عظيم من عظماء الأوائل الذين دخلوا الإسلام وملء النور قلوبهم، شجاع لا يعرف الخوف طريقاً لقلبه تجمعت فيه الفضائل والصفات الحميدة قال عنه الرسول عليه الصلاة والسلام: “أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً”
نال مع زوجته نصيباً من الأذى والاضطهاد من قبل قريش بسبب إسلامهما ولكن ذلك لم يضعف إيمانهما وعزيمتهما للإسلام، هاجرا مع الوفد الذي اختاره الرسول للذهاب إلى الحبشة وكان جعفر هناك المتحدث باسم الإسلام وكان من حاور النجاشي وناقشه للمقارنة بين دين سيدنا عيسى ودين محمد عليه الصلاة والسلام وأثبت له بذكائه وفصاحة لسانه أنهما يحملان الرسالة نفسها والدعوة ذاتها لله الواحد الأحد.
وقد نالت كلماته الرقيقة وحديثه النقي موقعها في قلب النجاشي بعد أن قرأ عليه بعضاً من سورة مريم بخشوعٍ وصوت عذب فأسلم النجاشي وحاشيته.
عاد جعفر إلى مكة المكرمة في الوقت ذاته كان المسلمون يحتفلون بفتح خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا أدري بأيهما أنا اسر بفتحِ خيبر أم بقدوم جعفر…”
جعفر في مؤتة
جاءت غزوة مؤتة التي خاضها المسلمون ضد إمبراطورية الروم البيزنطيين كانت غزوة عظيمة مع جيش كبير يملك من العتاد والقوة ما لا يوجد عند المسلمين ولكن هذا لم يثنيهم عن التقدم فخرج الجيش بقيادة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وخرج جعفر معه طالباً للشهادة، التقى الجمعان في مشهد رهيب ودار وطيس المعركة كادت راية الإسلام لتسقط من يد زيد بن حارثة إلا أن جعفر أدركها قبل السقوط ورفعها فانطلق يقاتل بكل إقدام وشجاعة باحثاً عن الشهادة في سبيل الله فكان يضرب بسيفه ويمزق صفوف الروم بفرسه وهو يزأر بينهم كالأسد.
عندما أدرك مقاتلو الروم قدرته العظيمة في القتال تعاونوا عليه وقاموا بإحاطتها ومحاصرته بإصرار على قتله فقاموا بضرب يديه وقبل أن تسقط الراية منه أدركها عبد الله بن رواحة والتقطها منه بعد أن كانت مغروسة بين عضديه.
نال جعفر شرف الشهادة وحقق حلمه، وذهب للقاء ربه مدججاً بدمائه.
كان مثالاً عظيماً للشباب يحتذى به آثر لقاء الله عز وجل وبذل دماءه في سبيل الإسلام على الاستمتاع بملذات الدنيا ونعيمها.
قال عنه رسول الله: “لقد رأيته في الجنة… له جناحان مضرجان بالدماء… مصبوغ القوادم”
لقد كان لنا في صحابة رسول الله أسوة حسنة نقتدي بها، ونلتمس من إيمانهم ما يقوي إيماننا ويجدد فينا عزيمتنا للسير على خطاهم فما أحوجنا في زماننا إلى أشخاص درسوا وتعلموا في مدرسة رسول الله وأصحابه ليسهموا في بناء مجتمع على أسس دينية قوية متينة مجتمع يتحول فيه الظلام إلى نور والفوضى إلى نظام والجهل إلى معرفة.