كتب الدكتور سلمان بن فهد العودة: (تأملت المعصية؛ فوجدتها إنما كانت حراماً وحوباً، لأنها نقطة سوداء محاطة بستة ألوان من الخطر، لا يكاد يسلم صاحبها من أحدها، وربما أصابته جميعاً )، سنأتي على ذكر هذه الأضلاع الستة ( الأخطار ) في السطور التالية كما بينها لنا الدكتور سلمان بن فهد العودة:
أولاً: المرض.
الله سبحانه وتعالى يبتلي المرء بما كسبت يداه وبما يستحق من عقوبة آجلة أو عاجلة، وإن كثرة ظهور الابتلاءات والأمراض والأسقام في الأمم هو نوع من العقوبات التي يضرب الله سبحانه وتعالى بها الناس إن زاد فيهم الفساد واستباحوا المعاصي، وهذه العقوبات ستكون من نصيب مرتكبها في الدنيا وأيضا عذاب عظيم في الآخرة مالم يستغفر ربه ويتوب عنا.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لَمْ تَظهَرِ الْفَاحشَة فِي قَوْم قَطُ، حَتَى يعْلنوا، بِهَا إِلَا فشا فِيهِمُ الطَاعون وَالْأوْجَاع، الَتِي لَم تَكنْ مَضت فِي أسلافهِم الَذِينَ مَضوْا)، وعندما يفعلون ذلك فإن الله عز وجل يبتليهم بالأمراض والأسقام فيأتيهم بالكوليرا والطاعون والإيدز وغيرها من الابتلاءات والمصائب.
وفي حسب تقرير لبرنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز 24-11-2009، أن 25 مليون شخص قضوا بفيروس الإيدز في العالم وأن 60 مليوناً أصيبوا به منذ ظهوره..
ثانياً: الفضيحة.
والفضيحة هي الخزي والعار والذل، وتقتضي حكمة الله عز وجل في بعض الأحيان أن يرفع ستره عن بعض الناس فيظهر عيبه أو ذنبه للناس إما تعجيلا للعقوبة أو تنبيها وزجرا للإنسان المذنب، والفضيحة قد تكون بالمرض الذي ينتج عن علاقة محرمة مكتملة (الزنا)، وقد تكون بتوثيق الحادثة، تصويراً أو إشهاراً فتنتشر الفضيحة بين الناس، وقد تكون بظهور الآثار من السُّكْر وغيرها من الأمور.
ثالثاً: الإدمان
قد يبدأ الإدمان بحب استطلاع المخدرات وتجربتها واستكشاف أمر غامض ثم بسبب التكرار يتطور الأمر ليتحول إلى المرحلة الاعتمادية والمرحلة الصعبة التي يصبح من الصعب على الشخص المدمن الاستغناء عنها سواء كان المخدرات أو شرب الكحول، وبعدها يصل المدمن لحال أسوء قد يجعله يتعرض لخسائر مادية أو صحية أو حتى اجتماعية
رابعاً: الفقر
الإنسان الذي ابتلاه الله سبحانه وتعالى بالمعصية تغلب عليه شهوته ورغبته التي لا يقدر على مقاومتها، يصبح على استعداد لبذل كل ما يملك من أجل تلبية شهواته وتحقيق رغباته، فيصبح يريد المال ليحصل على ملذات أكثر وليحقق رغباته ويشبع شهواته، ويحرم من فرحة إنفاق أمواله في طرق الخير.
وإن هذه المعاصي واتباع الشهوات لتمحق بركة العمر وبركة المال وبركة الطاعة بل ألا إنها لتمحق بركة الدنيا والآخرة، فوالله يا إخوتي ما ذهبت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق.
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ( إِنَ الرَجُلَ لَيحرم الرِزق بِالذنب يصِيبه وَلاَ يرد القَدرَ إِلاَ الدعَاء وَلاَ يَزِيد فِى العمْرِ إِلاَ الْبِر )
خامساً: عذاب الضمير
أقسى شعور قد يشعر به الإنسان شعور يمزقه من الداخل ويجعل حياته تعيسة وكئيبة حزينة، أخطأت بحق نفسك كثيراً وأخطأت بحق الآخرين، ظلمت نفسك وظلمت أسرتك أيضاً، امرأة ورطتها معك في علاقة غير شرعية جعلتها تخسر نفسها وأفسدتها، استحللت مال حرام، كنت سبباً في نشر الفاحشة والسوء وإشاعتها بين الناس.
آلام متزايدة، وهموم وغموم، أفكار وخواطر سيئة، ومخاوف وهواجس متصلة، ونوم متقطع، قلق وأرق أعصاب مشدودة ومرهقة، ونفسية سيئة متعبة، ولكن هل تعرف من الضحية ؟ الضحية هي الزوجة والأطفال وجميع الأشخاص المحيطين بك ممن يذوقون مرّ الحياة بقربك.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه : ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذنوبَهُ كَأنَه قَاعدٌ تَحت جَبَل يخاف أن يقعَ عليه، وَإِنَ الْفاجر يَرَى ذنوبَه كَذبَاب مَرَ عَلَى أَنْفِهِ ) . فقال بِهِ هكذا قَالَ أَبُو شِهَاب: بيده فَوقَ أنفه.
سادساً: عذاب الآخرة
عذاب أبدي ودائم لا يخفف ولا يؤجل، عذاب كبير لا مهرب منه ولا مفر، يحجب الله عنك رؤيته، تحرم من رؤية وجهه الكريم ألا والله هذا هو الحرمان حرمان النعيم، فوالله لو منح الله هذا النعيم نعيم رؤية وجهه الكريم لأهل النار لنسوا ما هم فيه من العذاب
وفي الختام لا تحسبن يا إخوتي أن كل معاناة نفسية سببها المعصية، فربما يبتلى المرء باكتئاب أو اضطراب أو قلق أو وسواس، وإنما هي أمراض وأعراض نفسية، مثلها مثل أي مرض آخر يصيب الجسد نتيجة أسباب عادية ويُكفَّرعن صاحبها بها إذا صبر واحتسب أمره لله.
فاللهم نسألك أن تثبت قلوبنا على دينك دين الحق، وأن تصرف قلوبنا على طاعتك، وأن تغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات، وأن تتجاوز عنا وعنهم وتصلح قلوبنا يا رب العالمين