إن الإنسان عجول بالطبيعة يود لو أدرك كل شيء باستعجال، وقد بين الله تعالى هذا الذي استقر في النفس البشرية فقال: “وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا”(الإسراء :11). وقال: “خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ” (الأنبياء:37).
ولما كان هذا الاستعجال يجلب على صاحبه المتاعب ويوقعه في الإشكالات؛ حث الشرع تربية النفس على التأني في أمور الدنيا، ونقصد بالتأني هنا: عدم الاستعجال في طلب الأشياء والتاني في تحصيلها.
وإذا كان الله تعالى قد قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ (طـه:114).
وهذا في تلقي القرآن فإن التأني من الاشياء الاساسية للإنسان في أمور حياته كلها.
لا تـعـجـلن لأمـر أنت طـالـبــه فقلما يدرك المطلوبَ ذو العجل
فذو التأني مُصيب في مقاصـده وذو التعجل لا يخـلو عن الزلل
التأني والاستعجال لماذا يستعجل الانسان؟
وقوله “خلق الإنسان من عجل” كقوله: “وكان الإنسان عجولا” أي في الأمور، والسبب في ذكر عجلة الإنسان ههنا، أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول صلوات اللّه وسلامه عليه، وقع في نفوس الصحابة سرعة الانتقام منهم والاستعجال في ذلك، فقال اللّه تعالى: “خلق الإنسان من عجل” لأنه تعالى يملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، يمهل ولا يهمل
معنى التأني والاستعجال؟
قولنا في الاستعجال الندامة مثل يضرب في صدد الأمور الكبار التي تتطلب التأني والمشاورة وطول التفكير قبل البت في الموضوع.
التأني والاستعجال – التأني من الله والاستعجال من الشيطان
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “التّأنّي من الله والعجلة من الشّيطان”رواه أبو يعلى.
وإذا كان التأني من الله، هذا يعني ان الله يحبه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: “إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة”(البخاري ومسلم).
وعن عبد الله بن سرجس المزنيّ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “السّمت الحسن والتّؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءا من النّبوّة”.
ما دلالة قول الرسول التأني من الله والاستعجال من الشيطان؟
إن مجاهدة النفس وعدم الاستعجال والتأني، تقي كثير من الأخطاء التي تقع على احدى القرارات، فالتروي والسير على نهج الحياة بخطوات فيها تأني دلالة على رجاحة العقل ورزانته، وطمأنينة القلب وسلامته، فليحذر الإنسان من كيد الشيطان وتسلطه، حيث قال الرسول – صلى الله عليه وسلم- “التأني من الله، والعجلة من الشيطان”، وهذا ما يعصم الإنسان
التأني المطلوب
التأني المطلوب يمتاز بالتثبت والتمهل والبعد عن الاستعجال والتسرع، لما للتعجل والتسرع من نهايات سلبية وخيمة.
يقول الأستاذ العلامة المناوي رحمه الله: العجلة تمنع من التثبت والنظر في العواقب، وذلك مُوقع في المعاطب، وذلك من كيد الشيطان ووسوسته.
التأني والاستعجال والعجلة المحمودة
وأما الاستعجال فى الطاعة فمحمودة ومطلوبة.. يقول عزوجل “سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ “
وفي الحديث: بادروا بالأعمال سبعاً: – هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر رواه الترمذي..
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: –
“التُّؤَدةُ في كل شيء إلا في عمل الآخرة “ رواه أبو داود
كيف أتخلص من الاستعجال؟
هناك خطوات قد تساعدك على التخلص من عجلتك المستمرة:
1. اجعل الوقت صديقك، لا عدوك
2. اجعل سقفًا معقولًا لتوقعاتك
3. حدد أولوياتك
4. تأنى قليلا، وأصغِ
5. واجه خوفك ولو كان هناك فشل
6. اجعل هناك فرق بين التزامات العمل والترفيه
7. تقليل أوقات الشاشات
8. تقيد بسرعات الطريق المقررة
خلاصة التأني والاستعجال
إن مجاهدة النفس والتمهل والتأني، تقي من الأخطاء التي تقع على قرارات، فالتأني والسير على نهج الحياة بخطوات متريثة دلالة على رجاحة العقل ورزانته، وطمأنينة القلب وسلامته. فليحذر الإنسان من كيد الشيطان وتسلطه، حيث قال الرسول – صلى الله عليه وسلم- “التأني من الله، والعجلة من الشيطان”
وهذا ما يمنع الإنسان من الوقوع في الزلات والهفوات والضلال، فالتأني كله خير في الدنيا والآخرة، حيث قال ابن القيّم: (إذا انحرفت عن خلق الأناة والرفق انحرفت، إما إلى عجلة وطيش وعنف، وإما إلى تفريط وإضاعة، والرفق والأناة بينهما)، والمتأني المترفّق في جوانب معيشته، يظفر في مباراة الحياة. مهما كانت مستعصية. قال صلى الله عليه وسلم: “ما وضع الرفق في شيء الا زانه وما نزع الرفق من شيء الا شانه “