خلال الأعوام الماضية ظهرت العديد من مدارس وأكاديميات صناعة القادة في مختلف أنحاء العالم، يتم تدريبهم وتلقينهم العلوم التي تجعل منهم قادة المستقبل ووضع الخطط والاستراتيجيات التي تساعد الشعوب على النهوض والتقدم. ربما تجد مصطلح صناعة القادة غريب بعض الشيء وتتساءل هل القائد يصنع؟ و كيف تصنع قائداً ؟القائد يصنع وهذه الصناعة تبدأ منذ الصغر عبر منهج محدد وتدريبات خاصة تجعله يمتلك ثلاث صفات وسمات خاصة لا يتمتع بها إلا القادة المحنكين: العقل – القلب – الشجاعة.
صناعة القادة قديماً:
في العصر الجاهلي كان العرب يرسلون ابنائهم الى البادية مع المرضعات ليقضوا سنواتهم الاولى وسط مجموعة من الاعراب الذين يتمتعون باللغة العربية السليمة و يعتادوا صعوبة الحياة ومشقاتها فيملكوا قلب الأسد ثم يعودوا الى مدنهم ليتعلموا مهارة القتال وركوب الخيل والرماية اضافة الى تعليمهم التجارة ليأخذوا من حكمة التجار ومهاراتهم فتجدهم يملكون شجاعة الفرسان وحنكة السياسيين و التجار وقلب الأسد فمن منا لا يعرف عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد ومن منا لم يسمع عن داهية العرب عمرو بن العاص الذي كان لحنكته ودهائه الدور الأكبر في دخول مصر الإسلام ومن منا لم يسمع عن محمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية وهو لم يتجاوز العشرين من عمره.
وقد شهد الغرب من غير المسلمين على ان سيدنا محمد صل الله عليه وسلم هو القائد والشخصية الأكثر تأثيرا في التاريخ في كتاب أعظم 100 شخصية في التاريخ للكتاب مايكل هارت.
قال تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
صفات القائد الناجح:
من صفات القائد المسلم الناجح النفسية:
- الإيمان بالله تعالى والقيام بأوامره واجتناب نواهيه وطاعته والحرص على العمل بإخلاص (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)
- التقدير واحترام الشخصيات والاهتمام بهم يثني على ما يقدمه الناس من أعمال ويشجعهم على العمل الصالح والمفيد
- التوجيه والإصلاح وعدم استخدام لغة الذم وذكر مساوئ الناس فهي تجعل الانسان يلاقي القبول من المحيطين به (وقولوا للناس حسنا)
- ● قضاء حاجات الناس ونشر روح التأخي بينهم وهذا ما قام به رسول الله صل الله عليه وسلم عندما آخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة للمدينة.
- حل النزاعات والخلافات بين الناس وإحلال العدل والمساواة في المجتمع (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا)
- الابتعاد عن الحقد والبغضاء ونشر روح التآلف والمحبة بين الناس (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)
من صفات القائد الشخصية والعملية:
- التفكير في المصلحة العامة والبحث عن استراتيجيات التقدم والتطور لما فيه الخير للجميع ويساعد الناس في الحصول على الحياة الكريمة.
- القدرة على إعداد خطط تمكن الدولة والمؤسسة من القيام بمهماتها في تقديم الخدمات المطلوبة منها تجاه مواطنيها والمسؤولة عنهم.
- الشورى: القائد المسلم تجده يبحث عن المشورة والنصح من المحيطين به من أهل العلم والمعرفة وعلماء المسلمين فيختار البطانة الصالحة.
طرق واستراتيجيات إعداد القادة “كيف تصنع قائداً “
الربط بالأهداف:
عند التخطيط لأهداف كبيرة وسامية و عند التحلي بالعزيمة والإصرار والقناعة بأن ما يقوم به هو الحق ستجده مدافعاً عن أهدافه بكل الطرق الممكنة وعاملاً لتحقيقها بكل السبل وهذا ما عهدنا عليه الأنبياء والصحابة والصالحين فنراهم قد بذلوا اموالهم وأرواحهم وكل ما يملكون في سبيل الله لأنهم يعلمون أنه ما يقومون به هو طاعة لله ورسوله وهو الحق اليقين وهدفهم الجنات العلا (رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)
إدارة الأزمات والمواقف الصعبة :
تظهر قدرة الإنسان على القيادة عندما يجد أن المشاكل والعثرات تحيط به وفريقه ومجتمعه فترى أنه قد وضع الخطط والأفكار والاستراتيجيات التي تساعده على تجاوز ما يمر به فيكسر الحواجز ويواجه الامور بقلب قوي وعقل متفتح فيسعى في طلب المشورة من أهل العلم ويبحث عن أفضل الطرق ليصل الى بر الامان عندما شعر عمر بن الخطاب خليفة المسلمين أن جنده بدأوا يشعرون أن النصر في معاركهم كان يعود لوجود قائد فذ هو خالد بن الوليد خاف عليهم أن يضيع إيمانهم بأن النصر من عند الله وحده عزل خالد من القيام وولى على الجيش غيره من الصحابة ليحميهم من همزات الشياطين وبما ان خالد بن الوليد كان يدرك أن عمر بن الخطاب لا يفعل الا الصواب اطاع امره وامر الجنود أن يتابعوا القتال تحت لواء ابو عبيدة بن الجراح.
التحديات:
طريق القيادة صعب وشاق ويجب ان يكون القائد ذو قدرة على تحمل التحديات والصعاب وهنا تكمن صناعة القادة عندما يتم تعليمهم على طرق التي يتغلبون فيها على ما يواجهوها من مصاعب عن طريق اكتساب المهارات والخبرات المختلفة والتعلم المستمر اضافة الى اكتساب المهارات البدنية.
الشورى:
البطانة الصالحة من أهم أسباب نجاح القادة لذلك يجب على القائد امتلاك الفراسة والقدرة على قراءة الأشخاص قبل الوثوق بهم وإدخالهم في تحديد الأهداف وإعطاء المشورة فالصاحب المخلص الصادق سيكون خير عون للقائد على نجاح مهماته والوصول الى الاهداف التي سعى لها.
قد تكون الإجابة غير سهلة للسؤال الخاص بنا ” كيف تصنع قائداً ” و لم تكن القيادة في يوم من الأيام لعبة سياسية سهلة بل هي مجموعة من المهارات التي يمكن اكتسابها اضافة الى الفطنة والذكاء والقدرة على تحمل المسؤولية وهذه المهارات يتم اكتسابها من خلال صناعة القادة.