لقد اصطفى الله سبحانه وتعالى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام من بين عباده ليكون خاتم الأنبياء والمُرسلين، فهو الذي قد جاء بالنّور المُبين، والصّراط المستقيم؛ ليخرج النّاس من ظُلمات الشّرك والضّلال إلى نور التوحيد والإيمان، وقد كَمُلت الأخلاق في شخص هذا النّبي الكريم، وشَرُفت به القِيَم، وسَمَت بسُنّته وبهديه الأُمم، فوصفته السّيدة عائشة رضي الله عنها في أخلاقه كأنّه قرآنٌ يمشي على الأرض، ووصفه الله سبحانه وتعالى في كتابه بأنّه صاحب الخُلُق العظيم، قال الله سبحانه وتعالى(وإنك لعلى خلق عظيم)[سورة القلم:4].
التخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في نماذج من أخلاقه
كان النبي عليه الصلاة والسلام قرآناً يمشي على الأرْضِ، وقد وصِف بذلك لأنه كان يتخلَّق بخلق القرآن الكريم، وكان يدعو الله أن يزيدَه خلقاً إلى خلقِه، وجعل رسالته مُكمِّلةً للأخلاقِ ومُتمِّمةً لها.
وقد أعْلى رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام من قِيمة حُسْنِ الخُلُقِ بقوْله:(إن مِن أحبكم إلي وأقربِكم مني مجلسا يومَ القيامة أحسنكم أخلاقًا ) ومن حُبّه للأخلاق فك أسر بنات حاتم الطائي وقد كنّ سبايا ذلك لأن أباهن وصف بالخلق الحسن، وقد كان -عليه الصَّلاة والسَّلام-مثل يحتذى به في الأدبِ والاخلاق.
فكان يستحيي أن يخرُجَ من فَمِه السُّوء، وقد كان حليماً متواضعاً أميناً كريماً، ولم يكن فاحشاً متفحشا ،فهذه الصفات جميها جعلتنا نسعى للسعي إلى التخلق بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم.
آيات عن أخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام
لقد أوضحت آيات الذكر الحكيم مدى قوة وشجاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ومدى ثباته في مواقف الشدة والبأس، ففي غزوة أحد عندما دارت المعركة حول المؤمنين، واضطربوا وخافوا وفروا متجهين ناحية المرتفعات ليصعدوا إليها، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يتزلزل ولم يتزعزع وكان ثابتًا:
1-قال الله تعالى:(واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون) [سورة النحل 128].
2- قال الله تعالى:(لعلك باخع نفسك الا يكونوا مؤمنين) (الشعراء: 3).
3-قال الله تعالى: (ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون) [سورة النمل: 70].
4-قال الله تعالى: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون) [سورة فاطر: 8].
وبهذه الآيات توضيح لرحمة نبي الله عليه الصلاة والسلام وكيف كان يشفق على من يدعوهم إلى لهداية فيعرضون عنها لدرجه أنه كان يوشك على الهلاك من الأسى والحزن لأنهم لم يؤمنوا، وهذا دليل على ما يحمله قلبه الرحيم من تمني الخير لكل الناس، وصدق الله تعالى بقوله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) سورة الأنبياء: 107
التخلق بأخلاق الرسول بمعاملة أهل بيته
أوصى النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم المسلمين بحسن معاملة أهل بيتهم وكان خير مثال في حسن معاملته لأهله وأصحابه.
عن عائشة رضي الله عنها أن ّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) فقد كان عليه الصلاة والسلام يمدح بزوجاته ويثني عليهنّ ويذكر فضائلهن ويضاحكهن ويمازحهن، وقد كان يأخذ برأيهنّ ويحترمهن وهذا لم يكن من خصال العرب قبيل الإسلام
كيفية التخلق بأخلاق النبي عليه السلام
كان من مقتضيات ومقاصد بعثة النّبي صلى الله عليه وسلم أن يكون النّبي الكريم في أخلاقه وسنّته قدوةً يقتدي بها النّاس، قال جل جلاله (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) [سورة الأحزاب:21]؛ فمن يريد الفلاح والنّجاح بالدّنيا والآخرة فعليه التخلق بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم ،وعليه أن يسعى لأن ينهل من أخلاقه الكريمة، وان يكتسب من صفاته الكريمة، ولكي يُحقّق المُسلم ذلك فعليه بما يأتي:
- أن يتحلّى بالتّسامح والعفو واللّين بتعامله مع النّاس؛ فلم يُعرف النّبي عليه الصلاة والسلام بالشّدّة والغلظة مع النّاس، بل كان ليّنًا معهم ورفيقًا بهم، ولا يُقابل إساءتهم بإساءة مثلها، بل يدفع السيئة بالحسنة ، ويعفو عمّن ظلمه، ويُحسن لمن أساء إليه .
- أن يكون مُتواضعًا ولا يحمل في نفسه الكبر والتّعالي على النّاس، وقد كان النّبي صلى الله عليه وسلم مثالًا بذلك الخلق الكريم.
- أن يكون صادقًا في قوله وفي حديثه مع النّاس؛ فقد اشتهر النّبي صلى الله عليه وسلم حتّى قبل بعثته بالصّدق والأمانة، كما انه كان لا يتكلّم إلاّ بالصّدق حتّى ولو كان بطريقة المزح.
- أن يكون أمينًا مع النّاس، والأمانةُ خلقٌ كريم علّمنا إيّاه النّبي صلى الله عليه وسلم عندما بلّغ أمانة الدّعوة والرّسالة بدون تفريطٍ أو تكاسل على الرّغم من المُحاولات الكثيرة التي قام فيها الكفّار من أجل أن يُثنوه عن دعوته، وكان لسان حاله ومقاله يقول “والله لو وضعوا الشّمس بيميني والقمر بشمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته أو أهلك دونه”.
- أن يكون صابرًا؛ فقد ضرب بالنّبي صلى الله عليه وسلم المثال والنّموذج بالصّبر والتّحمل في سبيل الدّعوة الإسلاميّة، فقد بقي بمكّة المكرّمة ثلاثة عشرة عام يثبّت فيها أركان العقيدة الإسلاميّة بنفوس النّاس، ويدعو النّاس إلى دين الله، وما لانت عزيمته في ذلك ابدا.
خلاصة التخلق بأخلاق الرسول القدوة
من إحدى صُور الانقياد والطّاعة في الإسلام التخلق بأخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ويكون ذلك بالاقتداء به في العبادات أو المعاملات أو الأخلاق، والاقتداءُ به صلى الله عليه وسلم هي أظهر علامة لمحبته، فالمحِبّ يُطيع محبوبَه، ومن مال قلبه لمَحب