يختلف موقف الناس في الحياة الدنيا، فمنهم منكبٍ عليها، ولاهث وراء ملذاتها، ومنهم منصرف عنها زاهد فيها، لا يقيم لها اي وزن، ولا يلفت لها بالاً، وهي عنده لا تعادل جناح بعوضة، ومنهم مقتصد بشأنها، فيأخذ منها قدر يعينه على امر الدنيا والاخرة، فما هو موقف القرآن من الحياة الدنيا، فهل هو رافض لها ومحذر منها، أم هو قابل لها وداعي إلى الانكباب على ملذاتها وشهواتها، أم أن الأمر ليس ذلك ولا ذلك؟
قال الله تعالى عن الذين يريدون الحياة الدنيا: “أولئك ليس لهم في الآخرة إلا نار جهنم يقاسون حرَّها وذهب عنهم نَفْع ما عملوه”، فقد كان عملهم باطلا لأنه ما كان لوجه الله تعالى. فما الحياة الدنيا في غالب أحوالها إلا غرور وباطل، والعمل الصالح للدار الآخرة خير للذين يخشون الله تعالى، فيتقون عذاب ربهم بطاعته وتجنب معاصيه.
فماذا يريد الإنسان من هذه الدنيا؟
إن الله تعالى سخر للإنسان كل مقومات البقاء في الحياة من جماد هذه الدنيا وحيوانها وغيرها، وفي مقابل ذلك أوكل الله إليه مهمة تعميرها واصلاحها، لهذا لا يمكن أن نعد وجود الإنسان في الحياة الدنيا خاليا من الاهداف والحكم، فالإنسان ليس موجود في هذه الحياة عن طريق العبث
انه يطلب حياة طبيعية، دون حروب، ولا اغتصاب حقوق، ويطلب العيش بكرامة وكذلك يطلب احترام استقلالية عقله في التفكير والانتماء والتصرف في حياته بحرية.
متى تنتهي هذه الدنيا؟
بعض التوقعات تقول إنه بقي لانتهاء الحياة ثلاثون بالمئة
لكن ليس هناك داعي للقلق، فالثلاثون بالمئة الباقية تساوي بحسب حساب علماء الفلك ما بين مليار و750 مليون سنة إلى ثلاث مليارات و250 مليون سنة. بعد ذلك تتوقف الحياة على الارض وتتحول إلى صحراء قاحلة من دون حتى نقطة ماء واحدة، مثل الحال الذي على كوكب عطارد وكوكب الزهرة القريبين من الشمس
لكن الجميع يدرك بأن الحياة الدنيا قصيرة، ورغم ذلك نتمسك بها، والفائز فيها من أتقن عمله ووافق بين حياتيه الدنيا والآخرة، وربما سميت بالحياة الدنيا ﻷن قيمتها بالنسبة للحياة للآخرة أدنى، وربما استفاد جميعنا من تجاربه في هذه الحياة مهما كانت قيمتها ونوعيتها
ما هي السعادة في الحياة الدنيا؟
والسعادة هي الشعور الذي يمتلكه الإنسان في حياته، ويكون سبب في انشراح صدورنا، ورضا نفوسنا، وطمأنينة قلوبنا، وراحة ضميرنا، نتيجةً لاستقامة سلوكنا الظاهر والباطن المدفوع بقوة ايماننا، والسعادة كما يراها دين الإسلام هي تحقيق مصالح العبد في الدنيا الاخرة، فيعيش الحياة تبع الشريعة الإسلامية كما يرضاها الله تعالى له
إن تحذير القرآن من الحياة الدنيا، وترغيبه بالدار الآخرة لا يجب أن يُفهم منه أن الانسان عليه أن يقف من الحياة الدنيا موقفاً سلبياً بالمطلق، فليس هذا الفهم مراداً للقرآن، بل إن موقف القرآن من الدنيا أن يقف الإنسان منها موقفاً متوازناً، بحيث يجعل الدنيا في يديه وليس في قلبه، فيأخذ منها ما يخدم دينه وآخرته، ويُعْرِض عن كل ما يعود عليه بالضرر في دنياه وآخرته، وهذا هو السياق الذي وردت فيه آيات تدل على المعنى هذا.
فالقرآن الكريم يثني على الذي يجمع بين أمري الدنيا والآخرة،
فيقول في كتابه العزيز: “ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة”
ويقول على لسان النبي موسى عليه الصلاة والسلام: “واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة”
ويمدح الله تعالى خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فيقول: “وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين”
خلاصة تفسير حياة الانسان في الدنيا
إن هذا الكون الذي نعيش فيه والذي يحتوي على كل هذا التوازن الحساس قد أوجده خالق يمتلك علما لا حدود له, وإن الكرة الأرضية رغم صغر حجمها مقارنة مع بقية الكواكب خلقت لغايات كبيرة, وليس هناك أي عبث في شأن من شؤون الإنسان. ولو تأملنا الكون الذي حولنا بدقة وجدنا أن في كل ركن من أركان هذا الكون دليل قوي على وجود خالق يمتلك القوة والعلم قد خلق الإنسان لأهداف معينة ولم يتركه على مزاجه يفعل ما يريد, وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز الغاية من وجود هذا الإنسان على سطح الأرض، فيقول: “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ”
“إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا”
وقد أخبرنا القرآن الكريم أن الله تعالى لم يخلق أي شيء على هذه الأرض عبثا من دون غاية فيقول في كتابه العزيز: “وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ “.