في الكثير من الحالات يمكن أن يصبح ادخار المال هدف صعب، يسبب الإخفاق فيه كثيرا من الإحباط، وذلك للتخلف بأفضل الوسائل والمبادئ الناجعة في توفير المال والادخار، خصوصاً لدى من يديرون شؤونهم المالية يوم بيوم. هناك أفكار ومبادئ يجب تطبيقها في هذا الإطار، مع الحرص على عدم الرضوخ للإغراءات والخدع التجارية المستخدمة في التشجيع على الإنفاق.
ضبط أهداف الإدخار
وقبل التعرف على كيفية الادخار يجب تحديد المبلغ الذي تريد في جمعه والغرض منه. وهذا الغرض قد يتمثل في الحالات الطارئة، أو السفر، أو القيام بأعمال تجارية. والتعرف على هذا الغرض قد يكون أهم حافز لنا للانضباط والاستمرارية في توفير المال.
كيفية الإدخار:
من أجل أن يحقق الأفراد مستوى أكبر من الاستهلاك المتوسط مستقبلاً يجب أن يقبلوا أولاً بقدر من الحرمان من الاستهلاك في الوقت الحاضر، ويعني ذلك الابتعاد عن إنفاق كل الدخل الحاضر، أي ادخار قسم منه. هذا الادخار ضروري لينفق المجتمع منه
وهذا الاستثمار مهم ليستفيد الشخص منه في عمليات استثمارية أو مشاريع مستقبلية، ترفع من المستوى الاجتماعي. فالادخار ليس ضرباً من ضروب البخل، ومسرباً من مسارب الشح ؛ إنما هو أمر تقضيه طبيعة الحياة البشرية، وفيه أمر من عند الله تعالى، أرشد به الله عز وجل نبيه الصديق يوسف عليه الصلاة و السلام عندما وضع الخطة والتي اوضح من خلالها تشريع الادخار وأهميته في الحفاظ على حياة الأشخاص في سنوات القحط والفقر.
لماذا ندخر الأموال..
والكثيرون يعيشون على مبدأ: اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب . وهذا المبدأ صحيح إذا أنفقنا ما معنا في سبيل الله وفي الوجه المشروعة بينا سابقاً، أما أن ننفق كل الذي نملكهُ في يوم، ونستدين لنكمل باقي الشهر، فهذا ما نهى عنه الشرع. وفي السنة النبوية الشريفة علمنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن نعمل في الدنيا وندخر، ونعمل للآخرة وندخر.
وقال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: اِحِرثْ لدُنيَاكَ كَأَنَّكَ تَعِيشُ أَبَدا وَاِعَمَلْ لِآخِرَتِكَ كَأنَّكَ تَمُوتُ غَدَاً
وعلى الوالدين تربية أبنائهم على ثقافة الادخار، من خلال سلوكهم هم أولاً، وهذا ما سيتم رؤيته لاحقاً إن شاء الله، ثم حثهم على قطعهم يومي أو أسبوعي ولو كان قليلاً من مصروفهم للمشاركة في أفعال الخير والإحسان، ويمكن أن نسميه بالتوفير الخيري مثلاً
أفضل وقت للإدخار
أحيانا تشجعك نفسك بتأخير الشروع في الادخار إلى الشهر أو العام المقبل، ولكن في هذا الوقت لا تفيد النوايا والوعود، بل ينبغي الشروع فورا في الادخار. وهنالك كثير من الوسائل لتحقيق ذلك، مثل وضع بعض المال في حساب بنكي أو استثماره في أشياء أخرى.
التوفير بدءً من المنزل
والنجاح في تحقيق هذا الهدف يبدأ من المصروفات المنزلية التي ينبغي التركيز عليها، على غرار فواتير الكهرباء والماء والتدفئة. ويجب الحرص على:
- عدم ترك الأجهزة الكهربائية مشتعلة مثل الفوانيس، لأن ذلك قد يوفر لك 15% من فاتورة الكهرباء.
- اغلاق صنبور الماء عند غسل الأسنان أو تنظيف اليدين بالصابون، وهذا قد يوفر لك 10 لترات في الدقيقة.
- ضبط المكيف أو السخان عند درجة حرارة مناسبة، لتقليل من استهلاك الكهرباء
الفرق بين الإحتكار والإدخار و الإكتنار
ينبغي أن نعلم أن الادخار غير الاحتكار وغير الاكتناز، والادخار المشروع ذات أسباب عديدة.
الادخار المشروع هو الذي يقوي البنية الاقتصادية الرئيسية في الإنتاج وكذا يدعم اقتصاد الفرد ومن ثم اقتصاد الأسرة، ويبتعد الإنسان عن طريق اللهو والترف و الإسراف.
والقاعدة القرآنية التي يقوم على أساسها الادخار قول الله تعالى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام: 141].
- أولاً: ﴿ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ ﴾ هذا البند خاص بالاستهلاك.
- ثانياً: ﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ هذا البند خاص بالتوزيع.
إذاً السلوك الصحيح للمؤمن في الإنفاق والتوزيع من دون إفراط أو تفريط لا بد أن يسمح ذلك السلوك ببقاء جزء ولو يسير، وهذا الجزء اليسير نسميه بالادخار.
أهمية الإدخار:
عملية تجميع الأموال والمدخرات من الاحتياجات التي تمكن الأسرة من القيام بالمهام المختلفة علاوة على كونه أداة هامة في توجيه هذه المدخرات الوجهة المناسبة لخدمة الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية المستقبلية، فمن الواجب على كل مسلم استثمار أمواله ويحرم عليه اكتنازها وكما هو معروف فإن التوازن الكلي يتحقق عندما يكون الاستثمار مساوياً للادخار
التعبير القرآني في الإدخار
أن الله تعالى جعل الإنفاق مطلوب مما رزق الله
ومعنى ذلك: أن بعض الأشخاص ينفق ، ويدخر البعض الآخر، ومن أنفق بعض ما يكتسب، فقلَّما يفتقر، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخر لأهله قوت سنتهم، فهذا لا يناقض التوكل على الله عز وجل، ولا الزهد في الدنيا، لأنه من الأخذ بالأسباب المشروعة. وإذا تعوَّدت الأمة على الادخار، وأصبح هذا خُلقاً عاماً لها، اجتمعت لديها مقادير كبيرة من الأموال، تستطيع أن تستثمرها فيما يعود على المجتمع كله بالخير و الثمرات الطيبة، وتسد به الثغرات في الحياة الاقتصادية، والذي آذن الله تعالى الذي يرتكبه بحرب الله ورسوله، ونحن نرى آثار ذلك المحق وهذه الحرب، في هذه المليارات من الديون وخدمتها وفوائدها، التي استنزفت شعوبنا ومجتمعاتنا، حتى اصبحت تحاول توفيت الديون بديون أخرى
الإدخار المشروع
والادخار المشروع يكون ذات أهداف مشروعة وشريفة، والإسلام يبقى دين اليسر وليس دين العسر، دين الاقتصاد العادل الذي لا يجلب منه لا ضرر ولا ضرار، والمحرم الادخار غير المشروع الذي يعتمد على كنز المال فيضيع حقوق الإنسان يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة: 34]. وفي هذا استغلال لمتطلبات الآخرين وفرض الهيمنة على أفراد الشعب والتسلط على العباد
والادخار المشروع يشكل للمسلم طوق النجاة من الغرق في الديون، ومن الحاجة إلى الآخرين. فالمال الذي يدخر يمكن الاستفادة منه عند وقوع الشخص بأي ضيق مادي دون الحاجة للآخرين.